الحوار كتاب الوجود
الحوار كتاب الوجود … يقول الشاعر الالماني غوته: لا شيء اكثر لمعانا من الذهب الا الضوء ولا شيء المع من الاثنين الا الحوار …
الحوار بمعناه الاوسع لا يقتصر على ما يدور بين انسانين تجمعهما شبكة قناعات يضيئها الحوار فيحولها واقعا ملموسا في وجدانهما بل هو قابل لان يشمل كل شيء: الاشجار التي غيرت الوانها الخضراء الى صفراء ترميها على الارض دون مبالاة تدعونا الى تقليدها في التحرر من اسر الاشياء وتخفيف ثقلها عنا اقصى ما نستطيع الى الحد الذي لا تبقى فينا سوى اغصان عارية متحررة من جاذبيتها الارضية… غير ان هذه الاشجار نفسها تتحاور معنا بطريقة اخرى في فصل اخر حين تبدا تلك الاغصان بكسر صمتها فتنطلق بداب وبطء شديد غير منظور بارتداء خضرتها ثانية قد نتعلم منها ان لكل صنف منها موعده الخاص للتفتح فبعضه في اذار واخر في نيسان وثالث في مايس… كانها في تعددها هذا تقول لنا محاورة : لكل انسان نقطة تفتح تختلف عن غيرها فالبعض يتفتح في العشرين من العمر. البعض الاخر في الخمسين والثالث في الستين او السبعين … وفي فصل اخر ستبدا هذه الاشجار برمي فاكهتها على العابرين دون مقابل ومد ظلالها الرؤوم فوق رؤوسهم لتحميهم من شمس حارقة … وقد يثير هذا النوع من العطاء فينا قناعة بان السعادة الوحيدة الممكنة هي بتقليد الاشجار بعطائها … الحوار يتسع لكل شيء حولنا : الكلاب وعيونها الوديعة التي تنظر الينا بانكسار كأن كل منها يقول لك انا خلقت من اجل خدمتك واسعادك او عيون القطط الضجرة النافرة وهي تتطلع فيك لكنها في لحظة ما تسكنها عاطفة غريبة فتتقرب منك باستحياء شديد قبل ان تمسح راسها بحافة ثوبك معبرة عن سعادتها بوجودك بالقرب منها بقرقرة دفينة في صدرها … كم من الاشياء حولنا تدعونا للتحاور معها … وكم هي سعيدة تلك الاقوام التي تؤمن مثل الاطفال بوجود حياة في كل الجمادات حولها … كاننا بفضل الحوار الذي اعتبره غوته المع من الضوء والذهب نعيش الحياة كفردوس يظهر ويختفي بين لحظة وأخرى ومن دونه سيكون وجودنا جحيما حقيقيا…