العلمانية افضل من يحمي حقوق الجميع
يبدو ان هناك فهما مشوشا نوعا ما لمفهوم العلمانية حيث تسود فكرة ان العلمانية هي ضد الدين، وهذا تماما يناقض الحقيقة، بل العكس هو الصحيح. يجبالتذكير اولا ان ترجمة كلمة secularism الى العلمانية يفتقد الدقة وهذا ليس عيباً في الترجمة بل لغياب مرادف للكثير من المفاهيم ذات الأصل الإغريقياو اللاتيني، وهي تعني فصل الشؤون الدينية عن الشؤون الدنيوية، على الرغم من ان بعض الدول الأوروبية ادخلت في دساتيرها مبدأ ان المذهب الفلاني هودين الدولة مثلما هو الحال مع اليونان لكن ذلك لا يغير شيئا من طبيعة الدولة العلمانية ( السكيولرية) ومؤسساتها.
من تجربة عيشي في لندن لأكثر قليلا من ٣٠ سنة تلمستُ عن قرب وجود اكثر من ٢٠ دينا ومذهبا ينتمي اليها الكثير من سكان لندن عدا عن إعداد كبيرةتعرّف نفسها بأنها ملحدة ( لا تؤمن باله) واُخرى لا أدرية ( لا تؤمن بدين).
الشيء الاساس بالنسبة لهذا الطيف الواسع من الأديان والمذاهب ان الدولة بقوانينها ومؤسساتها من قضاء الى شرطة الى برلمان تضمن للجميع الحريةالكاملة للعبادة لانها تطابق مبدأين أساسيين من مبادئ العلمانية، الا وهو مبدأ حرية التعبير ومبدأ حرية الاعتقاد ( او عدم الاعتقاد). والامتيازات التي تمتلكهاالكنيسة الإنجليكانية التي تعتبر الملكة رئيستها لا تختلف عن امتيازات اي دين او مذهب حتى لو كان عدد اتباعه صغيرا. وهذا يتجلى بوجود الكثير منالمساجد والمعابد في العديد من مناطق لندن. هناك مساجد ذات توجه صوفي ومساجد ذات توجه سني ومساجد ذات توجه شيعي واخرى ذات توجه وهابي، ناهيك عن المراكز الدينية المخصصة لاتباع هذا الدين او ذاك. وبتوافر هذه الحقوق والحماية القانونية سواء عبر التشريع او بفضل اجهزة الشرطةوالأمن المختلفة، اصبح الكل يتمتعون بهذه الامتيازات دون شرط او تحديد.
كذلك فان هذه الدولة العلمانية فرضت قوانين لتحقيق التساوي بالفرص عند التقديم لأي عمل ووضعت ضوابط لفرض هذا القانون.
كذلك هو الحال مع الملابس التي ترتديها النساء فانطلاقاً من ان حقوق الفرد في اختيار ما يشاؤه من ملابس مع بعض الشروط العامة التي تتوافق مع الذوقالعام هناك الكثير من المسلمات اللواتي يرتدين انواعا مختلفة من الحجاب او النقاب ويذهبن للدراسة في الجامعات والعمل في قطاعات متنوعة. كذلكأصبحت كل جامعات لندن( وربما كل بريطانيا) يحتوي كل منها على مصلى ( او مكان معزول للعبادة) اضافة الى مكان خاص للوضوء غير متوفر مثله فيالكثير من البلدان الاسلامية، وأحيانا هناك مكان جميل للعبادة بشكل عام وهذه وسيلة لتعميق اللحمة بين الطلاب ذوي الانتماءات الدينية المختلفة.
إذن اين المشكلة؟ الكثير من ناشطي الاسلام السياسي الهاربين من عدة بلدان عربية استقبلتهم بريطانيا وأعطتهم اللجوء السياسي على الرغم من ان العديدمنهم ما زال متشبثا بكراهيته للبلد المضيف ومعتبرا ان ما حصل عليه كان بفضل الإرادة الإلهية لا كونه متأتيا عن تطور مر به هذا المجتمع خلال اكثر منأربعة قرون حتى وصل الى هذه الدرجة من تحقيق العدالة ودعم الفئات الفقيرة والمعوزين والمعاقين وضمان كرامة الفرد وسيادة القانون على الجميع من اعلى مسؤول في الدولة الى اصغر شغلي في المجتمع.
السؤال المطروح لكل من يشكك بالعلمانية: أيهما افضل : ان تسود ديانة واحدة في بلد ما وتدفع اتباع الديانات الاخرى كي يكونوا مواطنين من الدرجةالثانية، وتفرض ناموسها وقوانينها على الجميع حتى لو كانت تمثل أقلية كبيرة ضدها؟
امام معظم اتباع هذه الديانات والمذاهب العديدة في بريطانيا ينطرح هذا السؤال: كيف يجب ان اسلك في حياتي لكسب رضا الله؟
لكن أقلية صغيرة جدا (لكنها مؤثرة) تطرح سؤالا من نوع اخر مفاده: كيف يجب ان اسلك في حياتي لكسب رضا الله على الآخرين، وكأن رضا الله عليهامر مسلم به مسبقا.