بقرات إسرائيل والغرب: حفل شواء للعقل ومبادئ الإنسانية
شكرا للبقرات الخمس الحمر اللاتي سيحرقن قريبا ويذر رمادهن فوق رؤوس الإسرائيليين لتطهيرهم وتهيئتهم لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى،
فقد أكدن أننا نعيش في عصر شديد التميز تتعايش فيه الخرافة مع فيزياء الكم والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي بود وصفاء نادرين.
شكرا للغرب بحكوماته وإعلامه وبنوكه وشركاته للدعم المنقطع النظير الذي يقدمه لإسرائيل دفاعا عن نفسها من أولئك الذين صادف أنهم يستوطنون الأرض التي وعد الرب يهوه بها: الفلسطينيون.
القدس العربي 19 – أبريل – 2024
شكرا جيش الدفاع الإسرائيلي على ما أنجزته خلال الستة أشهر الاخيرة.
فإبادة حوالي أربعين ألف من المدنيين الأغيار يشكل الأطفال نصفهم إنجاز لم يحقق جيش آخر مثيلا له.
ولا ننسى نجاحك في تعطيب أكثر من سبعين ألف نسمة أصبحوا عاجزين عن الاعتماد على أنفسهم طوال ما تبقى من حياتهم.
شكرا لجيش الدفاع الإسرائيلي لأنك نزعت عن رأسي أي معنى نتشارك فيه كأبناء جنس بشري واحد أطلق عليه خطأ اسم الإنسان العاقل .
النبي يوشع بن نون
وفي الوقت نفسه أكدت أن بإمكانك تقليد ما أنجزه النبي يوشع بن نون حين فتح أريحا التي كانت عائقا أمام تقدمه لتحقيق وعد الرب التوراتي يهوه الذي قطعه لسلفه النبي إبراهام بمنحه أرض من استضافوه وحموه وكرموه: الكنعانيين.
ففي أيام قليلة تمكن النبي يوشع من قتل كل سكان أريحا البالغ عددهم اثنا عشر ألف نسمة، وكل الماشية والحمير والكلاب، ثم أحرق المدينة بهم، كي لا تعطن جثث الأغيار الذين هم ليسوا في الأصل سوى بهائم بشرية مع جثث الحيوانات فتسمم الهواء.
وها هو جيش الدفاع الإسرائيلي يقلد ما فعله النبي يوشع بحرق كل شيء، كي لا تبقى هناك رائحة عطنة سواء كانت للبهائم البشرية التي حلل الرب قتلها إذا وقفت في وجه تحقق وعده بمنح ارض كنعان لشعبه المختار، او اذا الحقت اي اذى بأفراده.
شكرا لبايدن الذي حل محل الرب التوراتي يهوه بمناصرة أبناء إبراهام وسارة على أعدائهم في لحظات ضعفهم.
هيكل سليمان
شكرا للبقرات الخمس الحمر اللاتي سيحرقن قريبا ويذر رمادهن فوق رؤوس الإسرائيليين لتطهيرهم وتهيئتهم لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى،
فقد أكدن أننا نعيش في عصر شديد التميز تتعايش فيه الخرافة مع فيزياء الكم والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي بود وصفاء نادرين.
شكرا للغرب بحكوماته وإعلامه وبنوكه وشركاته للدعم المنقطع النظير الذي يقدمه لإسرائيل دفاعا عن نفسها من أولئك الذين صادف أنهم يستوطنون الأرض التي وعد الرب يهوه بها: الفلسطينيون.
أما كان الأجدر بهم مغادرة هذه الأرض حال تنفيذ الرب التوراتي لوعده في حرب الأيام الستة والبحث عن أماكن أخرى، فالعالم واسع أمامهم ومستعد لقبولهم.
شكرا للغرب في موقفه الداعم بالمطلق لحرب الإبادة التي ظل جيش الدفاع الإسرائيلي يمارسها بتلذذ ومتعة كبيرين وكأنه ضمن حملة صيد مسلية لمطاردة أبناء آوى.
وكم ظلت عقيرة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تصدح بالغضب حين يتهمه البعض بقيامه بالضبط بذلك: حملة إبادة على مدنيي غزة. لكأن صوته الداخلي يقول لهم: نحن لا نقتل بشرا بل بهائم تلبست أشكالا بشرية، وإلا كيف يمكن أن يكونوا موجودين في أرض وعد الرب بها لنسل إبراهام وسارة؟
شكرا لموقف الغرب المتبسم على ما تبثه محطات التلفزيون وكاميرات الصحافيين ومؤسسات الإغاثة من قتل جماعي متواصل للمدنيين في غزة، ولمن يريد مد يد المساعدة لهم، فبذلك أيقظني من سلسلة أكاذيب طويلة بقيت تعشش في رأسي كقناعات راسخة:
أولها كون الإنسان يحمل قيمة ثمينة متساوية، وأن القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي هذا الكائن في ظروف كارثية كالحروب موضع تقديس والالتزام بها قسري. لكن ما حدث أمام أعيننا أن إرسال الأسلحة والذخائر لإسرائيل لم يتوقف يوما بل ازداد مع تجنب أي إدانة مهما تكن خفيفة لحكومة إسرائيل وجيشها.
ثانيها: إزالة الوهم من رأسي أننا نعيش في عصر يحكمه العقل وما تحقق من كشوفات خلال القرن التاسع عشر جعلتنا نعرف أن الأرض قبل ظهور أول إنسان (آدم وحواء حسب سفر التكوين) قد سكنتها لمئات الملايين من السنوات فصائل الديناصورات وأعقبها بملايين السنوات كائنات أخرى ما زال نسل بعضها يعيش معنا.
وبذلك فان قصص الكتب الدينية في أحسن الاحوال ليست سوى رمزية هدفها التهذيب لا كتبا تاريخية أو تعليمات لممارسة الإبادة. وإذا أصررنا على أنها كذلك فإن العلم قادر على دحضها بسهولة، ليثبت أنها في هذه الحالة ليست سوى خرافات.
غير أنني أمام الفيديوهات التي تبثها وكالات الأنباء وغيرها عن البقرات الحمر الخمس وغياب أي رد غربي أو أمريكي رسمي عنها دليل على أننا ما زلنا نعيش في قلب الخرافة النابض.
حقوق الإنسان
شكرا للغرب على إيقاظي من كذبة كنت مؤمنا بها أشد الإيمان اسمها حقوق الإنسان، وللحفاظ عليها تأسست منظمات دولية محترمة. لكنها أمام المذبحة الجارية في غزة على قدم وساق أصاب لسان هذه المنظمات عيا غريبا جعلها عاجزة حتى عن التعبير بالإشارات عن موقفها.
أمام كل ذلك لم يبق أمامي إلا خيار واحد: إخراج كل تلك الكتب التي ألفها علماء وفلاسفة ومؤرخون غربيون أغلبهم موتى الآن لأصفّها بانتظام في «شواية» البيت المهملة منذ سنوات.
شكرا للغرب لخيانتك كل ما أنجزه هؤلاء المفكرون العلمانيون سعيا لإخراج مواطنيه من ظلمات القرون الوسطى إلى عصر النور والتنوير.
فبهذه الطريقة وفرتَ لي الورق الكافي لإشعال النار الضرورية لحفل شواء يسبق ما ينتظر البقرات الحمر الخمس من مصير يفتتح دخولنا عصرا جديدا اسمه «عصر ما قبل القيامة» وفق نبوءات عرافي القبالة التي لا تقبل الخطأ!