تطبيع الإمارات الكامل مع إسرائيل: مكافأة غلاة اليمين الاسرائيلي المتعصب على قتلهم مشروع الدولتين
جاء الإعلان عما سمي باتفاق السلام بين الإمارات وإسرائيل وتطبيع العلاقات بينهما والسعي لتبادل السفارات صدمة كبيرة لي، إذ كان ذلك خاليا من أي مبرر منطقي لعدم وقوعها بجوار إسرائيل، وعدم مرورها بأزمات اقتصادية واجتماعية ستساعد خطوة كهذه على تجاوزها (إلا إذا كان هناك تهديد أميركي مبطن من عاقبة الأمور في حال رفضها)، وتخليا مفاجئا عن موقع الإمارات في مساهمتها بحل الخلافات العربية- العربية واسترشادها بقيم العدل في دعمها للقضايا العادلة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته على ما يقرب من ٢٠ في المائة من أرض فلسطين وهذه تتمثل بالأرض التي احتلت خلال حرب الستة أيام عام 1967: الضقة الغربية وغزة.
لقد جاءت مبادرة القيادة السياسية الإمارتية هذه في وقت جموح مطلق لليمين المتطرف- الأصولي في سعيه الحثيث إلى مصادرة معظم فلسطين وإعطاء أجزاء ضئيلة من أرضها للفلسطينين لتشكيل دولة مفككة عليها غير قادرة على البقاء، والسعي الحثيث الى قتل اتفاق أوسلو الموقَّع عام ١٩٩٣ الذي يضمن حل الدولتين المستقلتين، حيث تنشأ الدولة الفلسطينية وفقه على أراضي الضفة الغربية وغزة.
غير أن التيار اليميني المتطرف الذي يمثله نتنياهو، وبدفع من الكيانات اليهودية الاستيطانية المتعصبة، قلبوا الطاولة على الطرف الفلسطيني الذي وقّع على اتفاق اوسلو، وبدلا من ذلك انطلقوا بحملات موسعة في إنشاء مستوطنات اسرائيلية داخل أراضي الضفة الغربية والقضم المتواصل لها، مع المضي قدما في تدمير شروط الحياة الأولية فيها، والاستمرار في القصف الدموي لغزة واستخدام الأسلحة المحرمة دوليا التي تسببت في وقوع مذابح عديدة هناك شملت حتى الاطفال.
جاء قرار الإمارات هذا متزامناً مع الخط الذي يتبعه الرئيس الاميركي دونالد ترمب في دعمه المطلق لليمين الاسرائيلي المتطرف، حيث منحه حق مصادرة القدس الشرقية بجرة قلم، على الرغم من تحفظ كل الرؤساء الاميركيين الذين سبقوه، والداعمين بقوة لاسرائيل مثل جورج دبليو بوش وبيل كلينتون وريغان وبوش الأب لاتخاذ خطوة كهذه، بل هو تجاوز موقف منظمة أيباك (لجنة الشؤون الاميركية الاسرائيلية العامة) التي تعتبر أكبر جماعة ضغط لدعم اسرائيل في أميركا، فهي الأخرى من الداعمين لمشروع الدولتين.
ما عادت مشاريع اليمين المتطرف، الهادفة الى طرد الفلسطينيين من الضفة الغربية إلى الأردن، خافية على أحد، ثم تحويل إسرائيل إلى بلد يهودي صرف، فيطرد على ضوء ذلك أكثر من ٢٠ في المائة من سكانها الفلسطينيين على المدى البعيد.
خلال السنوات الأربع الأخيرة التي حكم فيها ترمب مضى اليمين المتطرف الاسرائيلي في غلوائه حدودا كان من المستحيل تصورها وهذه بعض ملامحها:
- الاستيلاء على ما يعتبره المسلمون والمسيحيون من أقدس الأماكن بضم القدس الشرقية ( التي كان من المفترض أن تكون عاصمة للدولة الفلسطينية المؤتملة) الى القدس الغربية واعتبارها بالكامل عاصمة الدولة العبرية، ولن يكون اليوم بعيدا حين يزال المسجد الأقصى ويقام هيكل سليمان محله، مع حمى الحفر الدائر الآن تحته وحوله.
- الاستمرار في توسيع المستوطنات الإسرائيلية القديمة داخل الضفة الغربية وبناء مستوطنات جديدة على الاراضي الفلسطينية المصادرة في الضفة الغربية، وهذا ما ساعد على تمزيق عرى أرضها ووحدتها.
- الاستمرار في قصف الأراضي السورية والتسبب في قتل المدنيين والعسكريين السوريين بانتظام على الرغم من عدم وجود حالة حرب بين البلدين يقتضي ذلك.
- مصادرة منطقة الجولان السورية المحتلة واعتبارها جزءا من إسرائيل على الرغم من اعتراض معظم الدول الغربية باستثناء الولايات المتحدة، ومخالفة هذه الخطوة القانون الدولي الذي يحرّم الاستيلاء على أراض محتلة بالقوة.
- الاستمرار في قصف غزة وفرض الحصار الاقتصادي على سكانها.
- الاستمرار في انتهاك حرمة الأراضي اللبنانية والشروع في التغول للاستيلاء على المناطق البحرية اللبنانية سعيا لاستخراج الغاز والنفط فيها.
يبرر البعض هذه المبادرة الغريبة بالخوف من إيران وطموحاتها القومية في المنطقة ، لكن السؤال الاساسي هو هل أنها ستوفر فعلا حماية كافية للإمارات؟ هل بالامكان ضمان السلامة من إسرائيل حتى حين ندعمها في تحقيق مشاريعها التوسعية الاستيطانية ؟ لننظر الى مصر التي تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل ( وهي بالطبع مجبرة لان ذلك جزء من إنهاء الحروب بين البلدين المتجاورين) هل منع إسرائيل من تقديم كل الدعم الضروري لمساعدة إثيوبيا على بناء سد ضخم وإصرار الاخيرة على رفض تقسيم الماء بطريقة منصفة بين الدول الواقعة على نهر النيل؟ وهل منعت اتفاقية أوسلو اسرائيل من مصادرة مياه الضفة الغربية الجوفية والسماح بجزء ضئيل جدا منه للفلسطينيين واستحواذ المستوطنين على معظمه: ليس غريبا ان نشاهد الفلسطينيين في الضفة الغربية يقفون في طوابير طويلة أمام صنبور ماء لملء سطولهم وحاوياتهم، بينما تمتلئ المسابح في بيوت المستوطنين الاسرائيليين بالمياه العذبة!
وعندما نتذكر ما تفعله إسرائيل بالاستيلاء على الموارد المائية لنهر الأردن دون الالتفات إلى التطبيع القائم بينهما، يجعلنا نتساءل هل هناك خطة لدى اليمين الإسرائيلي المتطرف والجماعات الدينية المتعصبة لتدمير شرط الحياة الأساسي المتمثل في الماء في البلدان العربية المحيطة بإسرائيل، والأبعد قليلا عنها؟
لعل تساؤلي للمسؤولين الامارتيين هو ما قاله السيد المسيح: ما جدوى أن تكسب العالم وتخسر نفسك، وهل هناك خسارة أكبر في هذه المبادرة المجانية؟ وخسارة ذلك الإجماع العربي الكبير على تقدير ما حققته الإمارات من إنجازات متميزة مقابل مدّ حبل النجاة لنتنياهو في وقت تحاصره الفضائح أمام القضاء الإسرائيلي.