حرب عالمية بلا خسائر

2٬930

لقد أدّى تطور الأسلحة الهائل في القرن العشرين إلى قتل عنصر ‘اللعب’ في المعارك، فما عادت الشجاعة والتعاون العنصر الحاسم أمام الأسلحة الذكية.

كل أربع سنوات، تتسلل غالبا أعلام أنكلترا، التي لا يكاد يراها الزائر في مناسبات أخرى، إلى نوافذ البيوت والحانات والسيارات. تحدث عادة هذه الظاهرة قبل شهر تقريبا من بدء الدورة، حالَ التأكد من بلوغ أنكلترا النهائيات. وكأن هذه المبادرة الفردية أو العائلية تصبّ في نهر يتسع يوما بعد يوم من المبادرات المماثلة؛ شبكة من الإيماءات والمشاعر المشتركة تنمو بدأب يوما بعد يوم، محررة أصحابها من أسر العزلة عن الآخرين والاندماج في تلك الذات الجمعية التي تصبح الآصرة المجددة التي تجمع أبناء الأمة الواحدة: إنها الروح القومية التي تسعى إلى كسب تقدير الأمم الأخرى واعترافها بها.

أو بصيغة أخرى: إنه السعي إلى المجد الشخصي عبر مجد الأمة المنتصرة بكأس العالم، وإذا لم يكن ذلك ممكنا فاحتلال الموقع الثاني أو الثالث أوالرابع. إنه في نهاية الأمر ترتيب مواقع الأمم رمزيا عبر لعبة كرة القدم.

هناك تماثل مثير للانتباه بين محاربي العصور القديمة والأحد عشر لاعبا. كان المحاربون في الماضي شريحة من المجتمع تتمتع بتقدير عال وامتيازات كبيرة (حال لاعبي كرة القدم اليوم). وكيف لا وهم حماة مدينتهم من الأعداء، بفضلهم تزدهر حياتهم وحياة عوائلهم، وبفضلهم تكسب الأمة مجدها.

وإذا كان الشعب يتماهى مع محاربيه في الماضي، فإنه اليوم يتماهى مع لاعبيه الأحد عشر. وإن كانت الأسلحة التي يستخدمها الجيشان المتقاتلان متماثلة تقريبا ولا تعدو أن تكون سيوفا ورماحا، فإن الأسلحة التي يستخدمها لاعبو كرة القدم لا تتجاوز الأرجل والرؤوس.

لقد أدّى تطور الأسلحة الهائل في القرن العشرين إلى قتل عنصر “اللعب” في المعارك، فما عادت الشجاعة والتعاون والبراعة الفردية والجماعية العنصر الحاسم أمام الأسلحة الذكية التي تسيّرها عن بعد حواسيب مبرمجة، والانتصار أصبح حليف من يملك أسلحة أكثر تطورا من غريمه.

أمام تراث حربين عالميتين كادتا تفنيان أوروبا، وأمام ميل الأمم لتحقيق تفوقها عبر الحرب على غيرها، تأتي بطولة كأس العالم حلا معقولا لا يكلف ضحايا أو خسائر مادية ولا يترك وراءه ضغينة لا علاج لها بين الأمم، إذ أنها توفر فرصة المحاولة بعد أربع سنوات للأمم الخاسرة (التي يجسدها 11 لاعبا) كي تتجاوز قصورها وتحقق لها مكانا تحت الشمس بين الأمم المنتصرة الأخرى.لذلك فإن كل الأمم متكافئة من حيث إمكانية الفوز مستقبلا!

اقرأ ايضاً