حكايات كليلة ودمنة المفقودة*

3٬693

بيت الحلزون

حينما خلق الربّ آدم وحواء، ظلا دهراً راقدين، جنباً إلى جنب، كعمودي ملح.

قال الرب ضجراً: سأخلق الرغبة لهما، فكانت الرغبة.

قالت الرغبة: ربّي، إني أوشك على الانطفاء.

قال الرب: ليكن الحب.

قال الحب: إلهي، اخلق لي من يعينني.

قال الرب: ليكن الوجد.

قال الوجد: لا أقوى على البقاء طويلاً وحدي.

قال الرب: لتكن الغيرة.

قالت الغيرة: ما جدوى حياتي من دون ابن يرثني؟

قال الرب: ليكن الألم.

قال الألم: عساك إلهي تخلق لي عوناً.

قال الرب: لتكن العدواة.

قالت العداوة: سيدي أحتاج إلى أخت تؤازرني.

قال الرب: لتكن الكراهية.

قالت الكراهية: سأبلى من دون طفل.

قال الرب: لتكن الحرب.

قالت الحرب: ألن تجعل حداً لشروري؟

قال الرب: ليكن الندم.

قال الندم: اخلق لي من يعقبني.

قال الرب: ليكن السلم.

قال السلم: امنحنى مولاي زوجاً رؤوماً.

قال الرب: لتكن السكينة.

قالت السكينة: إلهي سأموت من الضجر،

فصاح الرب غاضبا: لتأتِ الرغبة صاغرة بين يديّ.

 

 

الخطوة الأولى

ينبهر الطفل بأصابعه القابضة للمرة الأولى على قلم الباستيل، يضغط به فوق صفحة ورقة بيضاء، تنبثق منها نقطة داكنة شبيهة بحلمة أمه. يحرك قبضة يده قليلا، يظهر له قوس قصير، فتعصف في دمائه الدهشة.

ها هي نملة تتقدم صوبه، تتسلق بمشقة دفتره الكبير، غير آبهة به، تمضي في خطواتها الدؤوبة من دون خوف. يحنقه غرورها وصلفها. يدفع بقلمه، فيترجرج القوس تحت ناظره، متطاولاً، حتى يتَّحد بنقطة البدء: حلمة أمه.

تقترب الزائرة الجريئة من السور الذي انتصب فجأة أمامها. تتلاشى سرعة أقدامها العارية تدريجاً، حتى تتوقف حائرة عند قاعدته. تنسحب من ذلك الموقع لتمضي شمالاً، فيظهر الحاجز السميك لها ثانية. تندفع بشتى الاتجاهات سعيا إلى الخروج من ذلك السجن، لكن من دون جدوى.

يرتفع صراخها عالياً، حتى تهتز لصداه جدران الحجرة، تنتقع الورقة بدموعها الغزيرة، تركع أمامه ذليلة، تتوسل به، كي يفتح لها أحد أبواب السور، لكن فرحه يزداد أكثر فأكثر.

من كل صوب تظهر كثبان نملية متماوجة؛ ابتدأت أولا على هيئة بقع سوداء متفرقة، متحركة بوجل صوب السور، تلتها مشاورات ثنائية وثلاثية، ثم انسحاب كلي من الساحة، لتظهر بعد فترة قصيرة جحافل هائلة منها.

يراقب الطفل بفضول شديد ما راح يجري حول سوره: ها هي خطوط من النمل تتراكب بعضا فوق بعض لتشكل سلالم ممتدة من الأرض حتى قمة السور، تزحف نحوها أعداد غفيرة أخرى، فتقوم بالتسلق فوقها إلى سطح السور. من الطرف الداخلي للدائرة، تبدأ تلك الجموع بإدلاء سلّم آخر إلى القاعدة.

تندفع السجينة إليهم بخفة، تحت صرخات التشجيع والتحفيز، غير مصدقة باقتراب الخلاص. تتشبث بأول سلّم، تدفع بنفسها إلى الأعلى، خطوة ثانية، وثالثة، لكن دواراً يصيبها. يتدلى خيط آخر فوق السلّم، بسرعة فائقة، ليقوم بسحبها حتى سطح السور في اللحظة المناسبة.

تتصاعد أهازيج النصر فوق السور بعد أن أنجزت تلك الفرق مهمتها بنجاح كبير، تقاطعها هتافات النمل المحتشد حول السور. تحيي السجينة أبويها المنتظرين بلهفة قدومها تحت أقدام السور.

ينتاب الطفل حنق رهيب، وهو يشاهد جموع النمل توشك على الافلات من قبضته، بعد اقترابها من الأرض المحيطة بالسور، فيرتفع صراخه. يمد يده، بخفة مثيرة، إلى قنينة طلاء الأظافر الملقاة قرب حقيبة اخته الكبرى، فيفتحها بأسنانه وأصابعه، وبالسائل الأحمر، يرسم سورا آخر حول السور القديم.

هل كان الطفل على علم بأن رائحة ذلك الطلاء تقتل لدى النمل القدرة على اختيار الاتجاه الصحيح؟

ها هي الطوابير النملية تغذ خطاها بين الخطين الأسود والأحمر مكونة خيطاً ثالثا بينهما، لكنه مختلف عنهما بشيء واحد فقط: وسط دائرتين مرسومتين على صفحة بيضاء، هناك دائرة سوداء تدور كمكوك الساعة باتجاه معاكس لحركة عقربيها، تدور وتدور وتدور … ها هو الضجر يحاصر الطفل ، أخيراً، من سوره، فيغلق دفتر رسمه ويمضي راكضاً إلى حديقة داره.

 

 

المغفل وسيد الحقل

في تلك اللحظة فقط، انقشعت عن عينيه غشاوة العمى السعيد، لتواجه مشهداً غريباً، غير قابل للتصديق، لكن الخوار المتضرع والحبال الملتفة حول الأطراف والأعناق، وروائح الهلع العطنة، زعزعت ظنونه: ها هو مالك الحقل قد شمَّر عن ذراعيه، حاملاً سكيناً طويلة، مرتدياً مريلة صفراء، عليها بقع حمراء، وبين قدميه همدت بقرة، ترتجّ إحدى قوائمها، من وقت إلى آخر، بحركة مستسلمة بطيئة.

انكمش على نفسه، تشبث في مكانه، ناكشاً حوافره بالتراب، ساحباً جسمه الثقيل إلى الوراء. كان متأكداً من استحالة الهرب عدواً، لكثافة الشحم المتراكم على بطنه وقوائمه، طبقات فوق أخرى، وكل ما يملكه من سلاح قرناه الحادان. كيف يمكنه استعمالهما الآن وهو لم يقم حتى بشحذهما يوماً؟ إذ لم يلق منذ ولادته سوى الرعاية والحب من الجميع. إضافة إلى ذلك، هل يجوز له إلحاق الأذى يزيدان الذي ظل يعلفه كل يوم؟ كم كان يربت على كتفه ويداعب رأسه الصلب كلما اقتاده إلى الحظيرة وقت الغروب، ولطالما أطفأ ظمأه بسطل ماء بارد في أوقات القيظ الشديد.

ها هو الآن يقوده بحبل غليظ، يقف قريباً من قرنه الأيسر، وتكفي المسافة الفاصلة بينهما ليبعج ظهره من دون عناء. لكنه لن يكون أبداً ناكرا للجميل. سيتحدث معه الآن بلطف، مثلما اعتاد أن يفعل من قبل. همس في أذنه ثلاث مرات، “اتركني وشأني”. إلا أن زيدان ظل قابضاً على الحبل بإحكام، وظل وجهه متجهماً، وعندما حرك رقبته يميناً انسحبت ذراع زيدان صوبه، فكاد الحبل ينفلت من كفه. شد الآخر على الحبل أكثر فأكثر مما سبب ألماً في رقبته.

لا بد أن زيدان قد أساء فهم طلبه. سيحاول الآن أن ينبهه بطريقة أخرى من دون أن يصيبه بأذى. أرسى قائمتيه الخلفيتين في الأرض الهشة بقوة، ثم أمال جسمه يميناً، مستعملاً ثقل شحمه وعظامه ولحمه، حتى انزلقت قدما زيدان، فتهاوى على الأرض، وانفلت الحبل من كفه. ها هو يخلّف وراءه المشهد البشع. ينفتح الحقل مكشوفاً على مرمى بصره، من دون حواجز، منتهيا بأجمات كثيفة وأشجار دائمة الخضرة، تعقبها هضاب جرداء غير مأهولة بالناس. سيكون في مأمن إذا استطاع بلوغها. لكن كيف يمكنه المشي إليها بجبة شحمية سميكة تغلفه وتجره إلى الأرض؟

قبضت ذراعان غاضبتان الحبل ثانية، فاختفى عن عينيه مشهد السماء الزرقاء والطيور المحلقة في الفضاء، ثم ضاقت الأنشوطة حول عنقه حتى كاد يختنق. وعندما استسلم لقيادهما، ارتخت الحلقة المشدودة فوق رقبته قليلا. ومع قطرات الدمع والعرق التي ملأت مقلتيه الواسعتين، والرغاء الذي ظل يسيل من طرفي برطمه الأسفل، كان بإمكانه رؤية زيدان وعلى عينيه يتقافز الشرر، مولولاً بشتائم حانقة، وعندما حاول التشبث بمكانه انشدت الأنشوطة حول عنقه أكثر فأكثر.

دخل عاملان إلى السقيفة، سحبا البهيمة الجائمة وسط الأرض الاسمنتية إلى حجرة مجاورة. رجعا مرة أخرى، فدفعا عِجلاً مشدودة قوائمه، مثنى مثنى، حتى وضعاه بين قدمي رب الحقل. جره زيدان إلى المكان الشاغر، انقض عليه العاملان الآخران فشدا قوائمه بالحبل، وصرعاه جانباً. أرخى زيدان الحبل عن رقبته فمضى يغرف أنفاساً سريعة ملء رئتيه.

ما الذي سيفعله سمير إذا شاهده على هذه الحال؟ كانت طفولة سعيدة قضاها مع ابن سيد الحقل. جمعتهما صداقة عميقة منذ بلوغه الشهر الرابع. اختفت في ذلك الوقت أمه، فأصابه الحزن عليها, وأمضّه الحنين إلى حليب ضروعها الدافئ. التقيا عصرا وسط الحقل. أحب سمير النجمة المنقوشة على جبهته ولونه الخمري الصافي، وعينيه العسليتين. كانا يلعبان معاً كل يوم، يمتطيه الآخر أنّى شاء، لينقله مبتهجا من مكان إلى آخر، وعندما فقد سمير أول أسنانه اللبنية، بدأ قرناه يحكانه من تحت صدغيه، فيضطر إلى فركهما بأجسام صلبة. ما أن بزغا حتى راح صديقه يمسكهما عند اعتلائه ظهره، فيضرب بطرفي قدميه على أسفل بطنه محفِّزا إياه على الركض أسرع فأسرع. تكونت لديه قناعة بأن قرنيه قد خُلقا لعبة لذلك الطفل. كانا يتدافعان أحياناً، يمسكه سمير من قرنيه، فيطأطئ رأسه، ثم ينطلقان في التباري، يفوز أحيانا، ويخسر أحيانا أخرى.

اندهش لمشهد الأبقار مثخنة مثله بالشحم، وشبيهة به إلى حد كبير. تذكر كيف كان رب الحقل يداعبه، ممسداً على ظهره. وأحيانا يقتاده إلى قصره برفقة ابنه، فيلعبان منعزلين عن الآخرين. لكن الأمور تغيرت فجأة: أقصِي ابن سيد الحقل عن عينيه، ووضِع هو في حظيرة منفصلة، مع وجوه أخرى لم يألفها من قبل. مضى زيدان يسرف في إعطائه العلف الممزودج بالشعير والشوفان، فاعتبرها دليلاً على رضى الملاّك عنه وحبه له. اختفت تلك الفرص بالتنزه كل يوم مسافات طويلة وسط المروج الواسعة. كانت بعض الأنعام تختفي فجأة ولا تعود إلى الظهور ثانية، فعزا الأمر إلى وضعها في حظائر أخرى. كانت شهيته للطعام تتزايد يوما بعد بعوم، إلى الحد الذي لم يعد يرفع رأسه عن سطح الأرض، مخافة أن تفلت نبتة صالحة للاجترار من أضراسه القوية.

قال سلطان الحقل، “لنذهب إلى الغداء الآن”، وعندما مر من جانبه تجاهل حضوره كلياً. لم تبق حوله أي بهيمة حية. ساد السقيفة صمت يقطعه من وقت إلى آخر طنين الذباب، وصدى خوار مبتهج قادم من الحقل… قرب الجدار المقابل له استقر رأس بقرة، تمعن النظر إليه في أسى، بعينين واسعتين، مكحلتين، جامدتين. وكم تمنى أن يلعق وجهها آنذاك.

 

 

آخر البيادق

انتهت المباراة بينهما، كالعادة، بالتعادل: الملكان الأبيض والأسود وجها لوجه، ويقابل بيدق أبيض بيدقاً أسود، وسط رقعة الشطرنج. وعلى الرغم من أن الوقت الذي استغرقاه في اللعب أربع ساعات تقريبا، لكنها بدت للبيدقين الوحيدين أطول بكثير.

قال المضيف لضيفه بارتياح كبير:

“كانت لعبة شيقة”.

“نعم لكنني لو لم أحرك الفيل في البداية، لكانت النتيجة مختلفة”.

“أنت تردد ذلك دائما: لو لم أحرك الفيل، لو لم أحرك القلعة، لو لم …”.

“مع ذلك، كنتُ في موقع المهاجم طوال المباراة”.

“العبرة بالنتيجة”.

حمل كل منهما كأسه، وذهبا إلى الحديقة. جلسا على كرسيين هزازين وجهاً لوجه، فمضيا يحللان مجرى المباراة خطوة خطوة، ثم شربا نحب صداقتهما، مخلفَّين وراءهما الضجر، الذي حل بهما قبل البدء باللعب، وصندوقاً خشبياً مملوءاً بالقتلى.

قال الملك الأبيض لنظيره الأسود:

“نحن كنا نعرف النتيجة”.

“نعم، ولذلك لم نتأثر كثيراً بمسار الأحداث العنيفة”.

“نحن في كل الأحوال لا يلحقنا ضرر كبير، أليس كذلك؟”

فشربا آنذاك نخب صداقتهما المتجددة، مخلفين وراءهما صندوقاً خشبياً مملوءاً بالقتلى.

قال البيدق الأبيض: “غريب أننا بقينا أحياء”.

قال البيدق الأسود: :نعم، والأغرب منه أننا نتحدث الآن معا بكل مودة”.

قال البيدق الأبيض: “كنا مغفلين قليلاً”.

قال الآخر: “لم نكن نعرف أنها مجرد لعبة.”

شربا نخب سلامتهما، مخلفين أمامهما صندوقا مملوءا بالقتلى وبقعا حمراء على الرقعة المربعة، وعلى ملابسهما الممزقة.

 

 

الطيران الأخير

تطير تلك الحمامة منفلتة من قبضة الفخ بأعجوبة: شبكة كبيرة هبطت فوق سرب الحمام الذي أغرته كثبان القمح المتناثرة بغزارة على الأرض، جعلت أفراده تفقد صوابها، وتقطع طريق رحلتها إلى حين، لتنهمك في التقاط الحب بدأب. ولم يخطر ببال أي منها أن مخالبها الصغيرة تعبر فوق خيوط شبكة، أعدها صياد ماهر ظل ينتظرها عاما بعد عام. وها هي الحمامة الوحيدة التي نجحت بالفرار تطير إلى أعلى؛ تخفق بجناحيها فرحة، تتقلب في السماء مرارا. لكن إلى أين تذهب؟ على رغم تلك الحرية الهائلة التي انتزعتها بمعجزة، فقدت ذاكرتها المسار الذي اعتادت أن تمضي فيه مع رفيقاتها.

ها هي تندفع في خط مستقيم صوب الشمس، لكن جسمها يستدير تدريجيا من دون إرادتها إلى نقطة البدء: الشبكة. واينما تمضِ ترجع إلى الموقع ذاته: غربا، شرقا، جنوبا، شمالا… وعندما حل الغروب، غمرها خدر الإعياء فدفعها ببطء صوب رفاقها.

التفت الصياد يميناً، فوجد طائراً قرب حذائه العسكري، وعندما مد يده إليه، سقطت جناحاه على الأرض؛ تطاير منهما وفر رقيق، ولم يقبض في يده سوى حفنة رماد.

 

 

الخان السعيد

عندما تمَّ لأرشد خان التخلص من آخر خصومه، قرر أن يهجع قرير العين يوماً كاملاً. ولكي لا تزعجه أي نأمة قد تفلت من خلف جدران قلعته المنيفة، أمر رعيته بالاحتفال معه نوماً، مدة يوم كامل مدفوع الأجر. مقابل ذلك، منع جميع الناس من مغادرة بيوتهم نهاراً وليلة واحدة، ولم يبق في الخارج سوى الحرس والعسس الذين ظلوا يجوبون الطرقات الفارغة، على رؤوس أصابعهم، حفاظاً على الأمن، محاطين بالصمت القسري والوحشة.

لكن الاعداء تسربوا من دون حياء إلى سرير أرشد خان، لحظة دخوله مملكة الكرى، التي حرم منها أعواماً كثيرة ليعيدوه ثانية إلى عالم الصحو المقفر. ظهروا له هذه المرة، في حمّام شاسع ذي قبة ماسية، وبلاط من الرخام الزبرجدي. كان بإمكانه رؤيتهم بوضوح، على رغم انتشار البخار في أرجاء القاعة الدائرية، بعضهم من أقاربه، بعضهم من أصدقائه، بعضهم من وزرائه، بعضهم من ضباطه… ها هم جميعا، يجلسون على حافة مصاطب دائرية، يتجاذب أفرادها أطراف الحديث المتواصل، بمزاج رائق ومرح. أحيانا، كانوا يلتفتون إليه؛ ينظرون إليه قليلاً، بحيادية مطلقة، ثم ينصرفون عنه إلى حواراتهم المتجددة. كم تمنى أن يكون مثلهم عارياً، إلا من تلك الوزرة التي تلتف حول خصر كل منهم. لكن أنّى له أن يتخلص من عمامته ودرعه وبرنسه الصوفي؟ ها هو جسده يغلي بالعرق داخل صدفته الجهنمية، فيغرق بالعرق والخيبة، ليستيقظ ثانية في قلب الظلمة.

ما جدوى نصب آلاف المحارق والمقاصل للعصاة إذا ظلت أرواحهم من بعد آمنة مطمئنة، تحلق أنى شاءت بين أجفانه؟

من نافذة ديوانه الواسع بدا العالم لعينيه الموغلتين في الأرق، مزيجاً متنافراً من أشباح وأضواء، وفوق الأفق تململ شفق أرجواني صوب سمت السماء مختلطا بزرقة داكنة. إنه الليل مرة أخرى، وعلى متنه يزحف الأعداء صوبه، لكنهم هذه المرة مجردون من أسلحتهم، ومن أجسادهم…

للتخلص من خصومه الموتى نهائياً، سيعلنها حرباً شعواء ضد ممالك الروم، تتيح لعدد هائل من أتباعه الأوفياء فرصة الانعتاق من أجسادهم… هناك في طرف العالم الآخر، سيقومون بمهمتهم الحقيقية التي أوفِدوا من أجلها: مطاردة ضحاياه، والاقتصاص منهم بدون رحمة.

في اليوم اللاحق، أصدر أرشد خان مرسوما يقضي بإلغاء عقوبة القتل في سائر مملكته، وفي اليوم الثالث، كانت الحرب.

__________________________________

*من كتاب “أحلام الفيديو”، دار الجندي، دمشق، 1996

اقرأ ايضاً