ليس بالنيات الطيبة وحدها تتحقق العدالة الاجتماعية

3٬911
أحد الاشكالات التي تواجه العالم العربي بشكل عام هو التطبيق المشوه لمشاريع تهدف الى تحقيق العدالة والمساواة ودور المواطن في تحسين الخدمات العامة بما فيها الخدمة السياسية التي يقدمها رجال السياسة خلال احتلالهم مواقع ادارية ما كالوزارة ونيابة الوزارة وغير ذلك.
فلتحقيق قدر من المساواة بين الرجل والمرأة فرضت سلطة الاحتلال الأميركية وحلفائها في العراق مبدأ احتلال المرأة لخمسة وعشرين في المائة من مقاعد البرلمان العراقي دون وضع شروط على اختيارهن ( وهذا مبدأ صحيح) لكن ما تحقق على الواقع كان كارثة على حقوق المرأة الأولية التي كسبتها المرأة العراقية منذ عقود، وبدلا من ان تلعب النساء البرلمانيات دورا فعالا في تعزيز هذه الحقوق لعبن دورا فعالا باتجاه معاكس، فإذا كان البرلمانيون الرجال  يخجلون من الإعلان  بالسماح  للرجل بالاقتران بأربع نساء وفق قانون الأحوال الشخصية الجديدة فان زميلاتهم البرلمانيات هُن اللواتي قمن بهذه المهمة المحرجة بالترويج للفكرة والدفاع عنها.. وهذا مثال واحد من أمثلة كثيرة لعبت فيها اغلب النساء في البرلمان دورا محبطا لتعزيز حقوق المرأة .. هذه القدرة على تحويل ممارسات إيجابية في بلدان المصدر تحولت الى كوميديا فجة لدينا .. كذلك هو الحال مع استخدام صندوق الاقتراع في  الانتخابات والاستفتاءات حيث ظلت النتائج عقودا لصالح الرئيس الذي جاء عبر انقلاب او عبر المؤسسة العسكرية وبنسبة تصل احيانا الى ٩٠٪‏ او اكثر في حين ان بلدان مصدر هذه الممارسة ظلت النتائج فيها تعكس فوزا كاسحا لشخص او حزب ما اذا حصلا على نسبة ٥٥٪‏ من أصوات المقترعين.
المدرسة الحديثة التي أنشئت على مخلفات كتاتيب القرن العشرين ظلت ملتزمة بقواعد التحفيظ والترهيب السائدة في الكتاتيب ولكن بدرجة ومقياس اعلى بكثير بدلا من ان تتبنى مبدأ المدرسة الحديثة الأساسي: الا وهو تعلم التفكير العقلاني وتعلم قواعد الاستنتاج والاستقراء والبحث العلمي في الأمور الصغيرة والكبيرة .. كيف يتعلم الطالب الدفاع عن قناعاته دون ان ينجر للانفعال وفقدان التوازن عند دخوله في مناظرة مع شخص يختلف معه وكيف عليه ان يعبر عن وجهة نظره المدعومة بوجهات نظر مفكرين وباحثين ذوي سلطة أكاديمية . لهذا السبب لم تلعب الدراسات العلمية دورا في ازدهار البحث وتعمق مبدأ الشك الديكارتي الذي بني عليه عصر النهضة بالكامل.
هناك شيء لم يجرب لدينا وبقي تعبيرا عائما وخاصا بِنَا نستخدمه دائماً في الصحافة والاعلام. وهذا هو ‘الشارع ‘ وما يعنيه هذا التعبير هو الرأي العام .. بالمقابل نجحت بلدان الغرب  في تطوير أدواتها لقياسه بايجاد  مؤسسات ومعاهد ووكالات لقياس الرأي العام في اي قضية عامة مهما كانت مهمة او غير مهمة عبر نظام استطلاع له. وهذا النظام يستند الى مبادئ أولية في الإحصاء تحدد الطرائق الأمثل لاختيار عينات الأشخاص المساهمين في الاستطلاع على مستوى المدينة او الوطن .. بالطبع تظل الانتخابات وعمليات الاستفتاء الرسمية هي الفيصل في معرفة الرأي العام بشكل ادق لكن استطلاعات الرأي حتى لو اخطات في توقعاتها للانتخابات او الاستفتاءات فهي تخطئ ضمن هامش الخطأ المقبول : زائد او ناقص ٣٪‏.
لكل هذه العوامل، أصبحت شعارات مثل شعار ‘ الشعب يريد إسقاط النظام’ حكما قطعيا مشابها لنتيجة الانتخابات التي يفوز فيها الرئيس بنسبة  ٩٠٪‏ ولكن خطورتها تكمن في تعزيز الاستبداد أعمق فأعمق لانها متأتية من معارضة تحلم في ان تكون بديلا لانها تعتقد ان نسبة التأييد الشعبي لها تصل الى ١٠٠٪‏.
كم يبدو لي اننا بحاجة الى تأسيس معاهد لسبر الرأي العام بطريقة علمية كهذه لكني في الوقت اخشى ان تتحول مثل الممارسات الاخرى الى نقيضها.
اقرأ ايضاً