من المتحدث؟ للكاتبة البريطانية فاي ويلدون
من المتحدث؟
للكاتبة البريطانية فاي ويلدون
يعاني هوارد من مشكلة تذكّر اسماء الاخرين. مع الوجوه، الامر اسهل بكثير، خصوصا ضمن الوسط المألوف لديه، لكنه غالبا ما يجد ربط الاسم بالوجه خارج نطاق قدراته.
يبدو ان عجزا كهذا تافه الاهمية لرجل ظريف كهوارد ــ أب جيد وزوج جيد، وناجح في مجال عمله، مع سكرتيرة وفهرس يساعدانه على التعامل مع اسماء زبائنه بسهولة، واذا كان يخطئ احيانا في استرجاع اسماء بعض جيرانه، فهذا امر لا غرابة فيه على الاطلاق. ستقول زوجته، ألِيس، بنبرة حزينة قليلا، “نحن جميعا متشابهون، هذا كل ما في الامر.” فهي قد شعرت بانها لاتمتلك اي صفات استثنائية، واحيانا كانت تتمنى خلاف ذلك.”حاول ان تطهي شيئا جديدا للعشاء مثل الكبدة بالافوكادو حتى تكتشف ان كل عوائل الحي قد اعدت نفس الاكلة، وفي نفس اليوم.”
كان هوارد في الثامنة والثلاثين، ذا كتفين عريضين، اشقر، معتدل القامة، ولم يكن جميلا بشكل استثنائي، لكنه حسن الهيئة. كان يشتغل مديرا لقسم المبيعات الموجهة الى شمال غرب بريطانيا، في شركة مختصة بانتاج المكائن الزراعية. تصغره أَلِيس باربعة اعوام، وهي بدينة قليلا، قصيرة، لون شعرها احمر، وذات وجه منمّش شائع الملامح، اما ساقاها فتفضل دائما اخفاءهما.
كان لاليس وهوارد ثلاث بنات ــ سامانثا، ثوماسينا وسلفستر ــ اختُصرت اسماؤهم للضرورة الى سام، توم وسِلف. لا يستطيع هوارد احيانا تذكر اسمائهن، وهو يعزي ذلك الى ان اسمائهن المختصرة ذات ايقاع ذكوري، وهذا كاف لتشويش ذهن اي انسان. تعبر أَلِيس في مناسبة كهذه، عن استيائها،”قد يكون من الافضل لك ان تضيف اسماءهن الى الفهرست الذي تستعمله، او ربما عليك ان تقضي وقتا اطول معهن في البيت، ووقتا اقل في المكتب او في البار.”
لكن التشكي امر طبيعي، وقليل من الاذى والغيظ المتناقل بين الازواج، يحدث ويتلاشى دائما في خضم تيار العيش المشترك. بصورة مجملة، كان هوارد وألِيس منبسطين معا، كذلك الحال بالنسبة لبناتهم الثلاث، حتى مجيء ذلك اليوم الذي تقع فيه ذكرى زواجهما الثانية عشر. صباحا، ذهب هوارد الى طبيبه متشكيا من تكرر حالة الصداع عنده، فقابل زوجة الطبيب إلَين ليقعا فورا في حب بعضهما.
كانت إلَين منحنية على درج ملفات الاسماء البادئة حروفها بين نون وياء عندما وصل هوارد. لم يبتسم اي منهما ــ كانت نظراتهما جدية للغاية ــ وخلال تلك الثواني، كان مسار حياة كل منهما قد تغير كليا. وكأن كلا منهما، كما سيقول الواحد منهما للاخر من بعد، قد تعرّف على الاخر الذي ظل يبحث عنه، او بصيغة اخرى، كان كلاهما قد عرف منذ تلك اللحظات ما سيحدث: كيف سيبدأان بالتحرك الى بقعة المسرح المضاءة مخلفين الاخرين وراءهما في منطقة الظلال.
قال هوارد، بعد ان ملأت بطاقة الموعد الذي طلبه،” هل بالامكان الالتقاء بك بعد العمل؟ اليوم هو ذكرى زواجي السنوية، لذلك لن يكون اللقاء طويلا، مع ذلك لايهم.”قالت إلَين: “بالطبع…ساخبر زوجي بانني ذهبت لزيارة صديق.”
كان يعلم بانها ستوافق، وكانت تعلم بانه سيسأل. لا احد منهما شعر بالحاجة للكذب على الاخر، فقط لبقية العالم، وكم هو تواطؤ مبهج ذلك الذي اصبح يجمعهما ــ مزيج من كرب واستثارة، خجل وتهيج. صدّقت ألِيس اكاذيب هوارد، وقبِل برايان زوج إلين بالاعذار. عاشقان يتمترسان ضد العالم، يقاتلان من اجل حب، عنيف، جنسي ومحرم!
قالت إلين:” كان لقاؤنا حتميا.”
قال هوارد: ” نصفان من كائن واحد، أُجبرا على الانفصال.”
مارسا الحب في اليوم اللاحق للقائهما الاول.
قال هوارد، بطريقة مباشرة:”هل تقبلين النوم معي؟” فاجابت بحماس:” بالتأكيد.”
ذهبا الى فندق لقضاء تلك الليلة معا. هو قال لزوجته بانه ذاهب في مهمة عمل: هي قالت بانها ذاهبة لزيارة صديقة.
قال هوارد في منتصف الليل: هذا ليس شبقا… انه حب.”
قالت : ” انا اعلم ذلك.” كانت إلَين اطول منه، بعينين سوداوين وفم رقيق مضطرب.
ولم يبد هنالك اي فعل لا يتجرأان على القيام به معا، واي شيء رغبا بتحقيقه وصلا اليه، برفقة المصباح المشتعل، ورفقة اعينهما المفتوحة.
يقول هوارد مندهشا:”انا لم اعرف اي شيء كهذا من قبل.”
فتجيبه:”وكذلك انا”.
ومع ذلك، فهما ليسا الا انسانين عاديين، ليسا جميلين بشكل متميز، وليسا، رومانتيكيين بشكل خاص، او مطبوعين على هذا النمط من السلوك. لم يذهب هوارد مع نساء اخريات طيلة حياته الزوجية سوى مرة او مرتين، وبشكل متكتم، اما إلَين فلم تقم بذلك قط. وحتى تكرر لقاءاتهما الكثيرة ببعض لم يضعف الانجذاب بينهما. كلما ازداد مايحصلان عليه من بعضهما كلما ازداد مايرغبان به. كلما ازدادت معرفتهما، كلما كان هنالك ما يستحق الاكتشاف.
وكيف كانا يتحدثان الى بعضهما! كان بامكان كل منهما ان يقول اي شيء للآخر دون خوف من ان يُظن به مجنونا. كل منهما كان قادرا على نقل تفاصيل حياته الشخصية للاخر، تحت وطأة احساس قوي بانها محفوظة في مكان آمن.
و كانت كل لحظة تمر عليهما، متباعدين عن بعض، مريعة: متأزمة، مؤذية، بائسة. لكأنهما كانا مدمنين على افيون مُنعا من تناوله.
بالنسبة اليهما، بدا افراد عائلتيهما منتمين لعالم اخر مكمود ومعتم، حيث الناس فيه ينطقون بكلمات غير قابلة للسماع. قالت ألِيس بحزن:” ربما من الافضل ان الصق اسماء بناتنا على ملابسهن، اذ بدأن يشعرن بالانزعاج والضيم… وانت ياهوارد تبدو شاحبا جدا. يتراءى لي انهم يشغلّونك كثيرا جدا في العمل.”
قال هوارد لإلَين: ” لا يمكننا الاستمرار على هذا المنوال، نحن نظلم انفسنا والاخرين بهذه الطريقة.”
قالت إلَين: ” علينا ان نكون معا، وبالتأكيد سيفهمون موقفنا.” كانت إلَين قد اعترفت لهوارد بانها لم تشعر قط بحب حقيقي لولديها وليم وفروستي، مثلما يجب ان تكون عاطفة الام تجاه ابنائها، الان هي تكتشف السبب. اذ انها لم تحب ابدا ابوهما برايان. هي تكنّ له قدرا معينا من الود، وتجده جذابا الى حد ما، وتشعر بالطمأنينة في صحبته، لكنها ظنت خطأ بان هذه المشاعر هي حب حقيقي. وكم ستكون مشاعرها مختلفة لو ان اطفالها كانوا من هوارد! في الوضع الحالي، سيكون وليم وفروستي في حال افضل مع ابيهما. اليس كذلك؟
غادرت امها البيت حينما كانت إلَين في الثامنة من عمرها. كم صُعق الجيران انذاك ــ لا كهذه الايام حيث لا احد يكترث . مع ذلك فهو شيء يحدث دائما ــ وهذا كل ما في الامر. كانت إلَين مرتاحة لبقائها مع ابيها، وهي الان في وضع سوّي نفسيا، اليس كذلك؟ وهذا ما سيكون عليه الاطفال، وبالنسبة لبرايان فهي ستقدم له جميلا، بمنحه فرصة تذوق تربية الاطفال لوحده، بعد ان قامت بالعبء كاملا لوحدها طيلة السنوات السابقة. لن يعاني اي فرد من هذا الانفصال سواها، كالعادة. هي ستفتقد ولديها، اكثر بكثير من افتقادهما لها. لكنهما سيأتيان من وقت لاخر لزيارتها.
قال هوارد: “انا لااستطيع الاستمرار في المخادعة…لست محقا ان اتصرف بهذه الطريقة مع ألِيس، بمواصلة العيش معها، في الوقت الذي انا مرتبط بك. انا احب ألِيس: هي لم ترتكب اي خطأ: وكانت دائما اما وزوجة جيدة ضمن حدود امكانيات عطائها ــ لكنني مشغوف بك انت.”
واية امكانيات عطاء محدودة تلك التي تمنحها له زوجته، مقارنَة باللهب المتوهج المتمثل بإلَين.
كم تعصف بوجوده الداخلي اضواء الوضوح حينما تُغمِض بشفتيها عينيه.
ظن هوارد ان من الافضل القيام بذلك بشكل مفاجئ: الانقطاع عن المجيء الى البيت ذات يوم، بعد ترك رسالة، تُفتَح من بعد. بهذه الطريقة سيتجنب ماتترتب عليه المواجهة من جدل سقيم، ملاحاة او مشاعر مرارة.”ليس هذا تصرف جبان مني”، قال هوارد لإلين، ” انا ارى بانها الطريقة الافضل. بالتأكيد سيسبب لها ذلك قدرا كبيرا من الانزعاج. وانا حقا اشعر بالاسف لها، لكن انت تعلمين بانها لم تسألني يوما ان كنت اريد اطفالا، هي افترضت فقط ان رغبتي مماثلة لرغبتها، ثم مضت في التنفيذ”.
” مسكين هوارد… يبدو انه كان هناك القليل من التواصل مع زوجتك.” رددت إلَين، بنبرة حزينة مضخّمة، مستخدمة في جملتها الاخيرة صيغة زمن الماضي. وكان ذلك في نهاية الاسبوع التي سبقت ترك كل منهما رسالة وراءه وبدئهما حياة جديدة.
لم يرغبا بالتخطيط لمستقبلهما كثيرا. اذ سيسحب الحديث في مواضيع من هذا النوع ذلك السحر الذي كان يكتنف الاشياء حولهما. العالم كله يحب العشاق، الالهة دائما تساعد المبادرين منهم، وحسن الطالع يقف الى جانبهم ــ ستنحل مشاكل، مثل قروض العقار والنقود وملكية البيت المشتركة، بنفسها في الوقت المناسب.
ذهبا الى فندق في بلاكبول، بعد خروج كل منهما من بيته مع حقيبة سفر، وهناك احتسيا اقداح الشمبانيا نخب مستقبلهما المشترك.
” عليه ان يجد عاملة استعلامات لعيادته، وان يدفع لها اجرا خالصا،” قالت إلين، ” وهذا ما سيجعله منزعجا اكثر من اي شيء اخر.”
“اظن ان امها ستفهم الامر جيدا،” قال هوارد،” فهي قد تخلت، في نهاية المطاف، عن كل شيء من اجل الحب.”
كانت ام أليس تلميذة في مدرسة داخلية( ذات تكاليف عالية، خاصة بالموهوبين موسيقيا)، لكنها هربت من هناك في سن السادسة عشر مع سائق شاحنة (أليس، وبشكل يبعث على الاسف، ورثت مع ذلك، طريقة تفكير ابيها ومزاجه.) قالت ام ألِيس لهوارد ذات مرة،” السبب الذي يعيقك من تذكر الاسماء هو كونك لاتؤمن بحقيقة اي شخص اخر، عدا حقيقتك انت،” شعر هوارد انذاك بانه قد يكون هنالك شيء من الصحة في ذلك الرأي، وكم احب ان يناقشه مع ألِيس، لكنها كانت تقوم، في ذلك الوقت، بتبديل حفّاظة ابنتهما.
غير ان ام ألِيس لم تفهم، ولا ابو ألِيس، او بنات ألِيس، سام، توم وسلف. ولا ألِيس نفسها، يبدو كأن الجميع لم يقدّر ما يعنيه الحب الحقيقي.
ذهبت ألِيس الى محامي العائلة، فاوقفت حسابهما المشترك، اتصلت بمديره في المركز الرئيس، بل هي حاولت الاتصال بهوارد نفسه، لولا انه اقنع بمعسول الكلام عاملة البدالة. (هي واحدة من اللواتي كانت لهوارد علاقة بهن في الماضي: العلاقة الوحيدة التي لم يعترف بها لمالكة قلبه وروحه ومستقبله: إلَين.)
جاء، ذات يوم، مخبر خاص الى فندق بلاك بول، وعلى اثرها طُلب من هوارد وإلَين المغادرة.
ملكت هوارد الدهشة.
“مؤسسة الزواج شيء مثير للاستغراب،” قال هوارد،” الكل يغش داخلها، لكن ما ان يتحداها شخص ما، بشكل مفتوح، مثلما قمنا به، حتى تشاهدي كيف تتكاتف قواها. المحامون، رؤساء البنوك، اصحاب العمل، مديرو الفنادق ــ الكل ينقلب ضد اؤلئك المارقين سيئي الحظ.”
لكنه اعتبر بان كل ما فقده لاقيمة له مقابل حبه لإلَين.
“انتبه الى ما اقوله،” قال مسؤول عمله، “سمعت بانك تصطحب تلك المرأة معك الى المزارع اثناء رحلات عملك. انت لا تكتفي بتركها في السيارة بل تأخذها معك الى الحقول، ماسكا احدكما يد الاخر، او شيئا من هذا القبيل.”
قال هوارد: “نحن عاشقين.” لكن اجابته الساذجة تلك جعلت كلماته ذات وقع مزيف قليلا. “انا لا اريد اي شخص غير مخلص لزوجته يعمل عندي،” قال مسؤول العمل،” وما تفعله هو ما اعنيه بعدم الاخلاص… الخيانة القاسية والغليظة لزوجة طيبة. انا اقدر كثيرا ألِيس.”
كان مديره قد جاء مرة واحدة عنده للعشاء، حيث اعدت أليس ارنبا، لكنه لم يقربه، لكونه استرالياً، ويبدو انه غفر لها غلطتها تلك. ودون تردد، بادر الى طرد هوارد من عمله.
كان رد فعل هوارد لطرده من العمل تهديد الشركة بمتابعتها قضائيا تحت قوانين”الفصل غير العادل”، لكن إلين منعته،”ستظهر اسماؤنا في الصحف… وسيكون مؤذيا للاطفال.”
اتصلت، إلين من جانبها ببرايان للاستفسار عن حال ولديها، لكنه اغلق سماعة التلفون في وجهها. ثم ذهبت مرة الى البيت لاخذ بعض اشيائها لكنه اغلق الباب في وجهها. احد الجيران اخبرها بان كل مقتنياتها قد فُرِشت فوق المزبلة، وقد فحصت من قبل الكل افرادا وجماعات. كان “برايان” قد وضعها بنفسه هناك.
قالت إلين:”لذلك يجب ان نبدأ حقا حياة جديدة.”
قال هوارد:”بالتأكيد”
ظلا طيلة الطريق الى لندن ممسكا كل منهما بيد الاخر.
“كم هو رائع ذلك،” قال هوارد، “الرحلات ،عادة، تبدو طويلة، كم اصبحت اشعر بها قصيرة معك.”
شعرا بالحيوية تتدفق في عروقهما: شعر كل منهما بان ذاته ضمن الاخر، وفي الوقت نفسه ضمن حدود جسده. لم يكن هنالك اطفال ليحرفوا مسار العواطف او يؤجلوا الرد المناسب من الاخر، او يفسدوا ذلك الهدوء الذي يحلق احيانا في الهواء بينهما، وكأن كل الكون كان يراقبهما منتظرا، لحظة التحام جسديهما ببعض. حدث خارق للعادة، ان يحب المرء من النظرة الاولى. انه الحب الحقيقي!
استأجرا غرفة في لندن. وكم استغربا بل بالاحرى استاءا من ارتفاع الايجار، من وساخة الشارع التي جعلت “إلين” تخشى التسمم بمادة الرصاص. لكنها حصلت على عمل اداري قريب من محطة المترو في وكالة عقار . كانت اكبر سنا من الفتيات العاملات معها في الوكالة. وظل الشعور بالضعف وعدم الامان ملازما اياها اثناء ساعات العمل، بعد فقدانها الحماية التي كان خاتم الزواج يمنحها، في الوقت نفسه، صدمتها كثيرا اللغة المستخدمة في حديثهن.
“انهن على فطرتهن تماما،” قالت إلين لهوارد، “انا اشعر بالاسى لهن… انهن لايستطعن معرفة ما هو الجنس او الحب، او هن لا يتحدثن عنه بنفس اسلوبنا.”
قدّم هوارد الى اثنين وثلاثين وظيفة، ولم يحصل على اي جواب ايجابي منها. بالتأكيد ذلك بسبب الركود الاقتصادي. من جانب اخر، رفضت أَلِيس، بعد كتابة رسالة لها، ان تبيع الساعة التي ورثها عن جده وارسال المبلغ اليه، على عنوان البريد القريب من سكنه، مثلما اقترح.
“انها ساعتي،” قال هوارد متشكيا لإلين،” انها ليست سوى امرأة قاسية القلب، تلك الكلبة المرتزقة.”
قالت إلين:” لا يهم، فنحن لبعضنا،” كان الوقت ليلا، وساقها الناعمة، الدافئة، ملتفة حول ساقه. “وانت ستجد عملا ونحن سنتمكن من تدبير العيش على نقودي حتى ذلك الوقت.”
كان عم ألِيس، هو الوحيد الذي نجح في تتبع اثر هوارد ليظر يوما امامه، طالبا منه نقودا بلهجة تشي بقدر من التهديد.
قال هوارد:” كم يدهشني سلوك الناس”،بعد طرده لعم أليس،” يتصرف كل معارفنا وكأننا نعيش في فترة الخمسينات، ماهو الزواج في نهاية المطاف اكثر من قطعة ورقة؟ بالتأكيد في وقتنا الحالي اصبح معترفا للفرد بحقه بتحقيق عواطفه كاملة ــ ان يتبع قدره الى النهاية ؟
اخبرت إلَين، التي لم يكن لديها احد للتحدث معه، صاحبة البيت بحكايتها. حب حقيقي زائدا تضحية يساوي رومانس حقيقي! اليس كذلك؟
قالت صاحبة البيت مؤنبة:”خمسة اطفال بينكما وتفعلان ذلك؟” ثم اعطتهما انذارا بمغادرة السكن. جرجروا حقائبهما الى غرفة اخرى مشابهة للاولى، وفي الحقيقة لم يكن هنالك اي فارق بين الحجرتين، عدا ان السرير في المكان الجديد كان اوسع واقل ضجيجا.
قال هوارد:”بالنسبة لأليس الامور ماشية كما ينبغي،مع البيت الزوجي الذي اصبح لها، ومع المساعدة الاجتماعية التي تتلقاها لرعايتها الاطفال… ليس عليها ان تتعب نفسها بالتفكير في العمل، في حين ان على الرجل ان يكدح كل عمره، ويدفع ما لايعرفه الا الله من ضريبة دون ان يعوداليه بنس واحد”.
هل كان الله يعلم ماكان على هوارد ان يدفعه؟ ربما.
اتصلت إلَين من عملها بهوارد تلفونيا للاستفسار عن نتائج مقابلته مع احد موظفي
مركز البطالة.
قالت :”حبيبي!”
فاجاب مستفسرا:” من المتحدث؟”
“بالطبع إلَين”.
“من قلت؟”
“إلين”.
كان هنالك صمت. ثم ــ
“اوه، آسف حبيبتي، انا كنت احلم.”
مع ذلك وعلى الرغم من تداركه للخطأ، فقد كانت تلك المحادثة التلفونية بداية للنهاية. انه يعلم بانها تعلم، وهي تعلم بانه يعلم. وهكذا، وبرغم تدفق الحب من داخله، طليقا وعاصفا، لكنه الحب نفسه ذلك الذي يهمه لا موضوع الحب. كانا معا، حينما بلغا تلك اللحظة التي اصبحا فيها غريبين عن بعض.
ترجمة: لؤي عبدالاله