داعش بين الجرود والدير

2٬423

فرضية: لو كان بالإمكان قسر خلايا سرطانية موجودة في بقعة من جسم انسان افتراضي انتقالها سلميا إلى منطقة أخرى مصابة داخل نفس الجسم،ألن يكون ذلك أفضل من تدميرها في بقعتها الأصلية وتدمير خلايا سليمة أخرى تحيط بها؟ خصوصاً وأن البقعة التي نقلت إليها الخلايا السرطانية موضع هجوم طبي واسع في أطواره الاولى. هنا قد يكون الخراب أقل إذ بدلا من تعرض الخلايا السليمة (غير المسرطنة) للدمار في منطقتين سيكون الخطر عليها في مكان واحد من الجسم الحي بدلا من مكانين. وهذا يعني أن احتمال شفاء المريض أكبر من لو كان الانتشار السرطاني في جسمه بمكانين أو أكثر.

لو طبقنا هذا المبدأ عن استسلام رجال داعش البالغ عددهم 700 في منطقة الجرود اللبنانية نجد أنه بتهجيرهم إلى منطقة تابعة لدير الزور(البو كمال) بدلا من قتلهم وقتل عائلاتهم والمدنيين المحيطين بهم تم تجنب وقوع خسارة مزدوجة ( بين المدنيين) في منطقة الجرود اللبنانية وفي محافظة دير الزور السورية.

وإذا أخذنا درجة الاحتقان الطائفي التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط بنظر الاعتبار فإن أي قتل لمدنيين يحدث على يد مقاتلين من طائفة مختلفة عنهم يصب زيتا إضافيا على النار الطائفية المتوقدة حاليا. يسخر بعض المنتقدين للاتفاق (وهم في أغلب الأحيان ضد حزب الله والنظام السوري مسبقا) بأن مقابل التوابيت التي استلمها الجيش اللبناني وحزب الله للجنود والمقاتلين ركب الدواعش وعائلاتهم في باصات مكيفة أخذتهم إلى دير الزور السورية. إذن كان على مقاتلي حزب الله أن يقضوا عليهم وعلى عائلاتهم وعلى الدروع البشرية في المنطقة لكي ينطبق مبدأ العين بالعين ( أو بعينين) والسن بالسن( أو بسنّين).

غير أن تجنيب المدنيين القتل سواء كانوا من عائلات الدواعش أو من سكان المنطقة يدلل على غلبة مبدأي الرحمة والحكمة في آن واحد. فإضافة 700 داعشي للآلاف منهم في دير الزور لن يجعلهم أقوى خصوصا وأنهم في منطقة منبسطة مفتوحة أمام الطيران ولعل الخسائر في صفوف المدنيين ستكون أقل ومحصورة في منطقة بدلا من منطقتين.

ما حدث في منطقة الجرود مماثل لما حدث في مئات الأماكن داخل سوريا حين خُيِّر مقاتلو الإسلام السياسي في سوريا (وهم مع داعش يختلفون في الدرجة لا بالجوهر: إقامة دولة الشريعة كما يؤولونها هم) بين القتل أو الذهاب إلى إدلب ففضلوا الخيار الثاني، وهذا ما جنب سكان المدن والبلدات والقرى التي كانت تحت سلطتهم القتل والدمار.

أن ينتهي الأمر بمقاتلي الإسلام السياسي (بمن فيهم الدواعش الذين يختلفون عنهم في درجة البربرية لا في برنامجهم) تواجدهم في منطقتين أو ثلاث داخل سوريا أفضل بكثير من تواجدهم في مائة مدينة وبلدة وقرية. وقد يتم التخلص منهم عبر المفاوضات أخيرا إذا اقتنعوا بأنهم خسروا الحرب بشكل عام، وإعادة المقاتلين إلى البلدان التي قدموا منها.

بالتأكيد هذا لا يعني خيارا جيدا لكن ما هو مطروح اليوم ليس بين خيار جيد وآخر سيئ بل هو بين خيار سيئ وآخر أسوأ. ومواجهة التوحش بالتوحش لن يقودنا إلا درجة أوطأ في سُلَّم البربرية

اقرأ ايضاً