دعشنة عابرة للأديان
قصص الكتب الدينية في أحسن الاحوال ليست سوى رمزية هدفها التهذيب لا كتباً تاريخية أو تعليمات لممارسة الابادة . واذا أصررنا على أنها كذلك فإن العلم قادر على دحضها بسهولة ، ليثبت أنها في هذه الحالة ليست سوى خرافات.
شكرا لجيش الدفاع الاسرائيلي على ما أنجزته خلال الستة اشهر الاخيرة.
فإبادة حوالي أربعين ألف من المدنيين “الأغيار” يشكل الأطفال نصفهم إنجاز لم يحقق جيش آخر مثيلا له.
ولا ننسى نجاحك في تعطيب أكثر من سبعين الف نسمة أصبحوا عاجزين عن الاعتماد على أنفسهم طوال ما تبقى من حياتهم.
شكراً لجيش الدفاع الاسرائيلي لأنك نزعتَ عن رأسي أي معنى نتشارك فيه كأبناء جنس بشري واحد أُطلق عليه خطأً بالإنسان العاقل .
وفي الوقت نفسه أكدتَ أنّ بإمكانك تقليد ما أنجزه النبي يوشع بن نون حين فتح مدينة أريحا التي كانت عائقاً أمام تقدمه لتحقيق وعد الرب التوراتي “يهوه” الذي قطعه لسلفه النبي إبراهام بمنح نسله أرض من استضافوه وحَمُوه وكرَّموه طوال حياته بينهم: الكنعانيين.
ففي أيام قليلة تمكن النبي يوشع من قتل كل سكان أريحا البالغ عددهم إثنا عشر ألف نسمة،
وكل الماشية والحمير والكلاب،
ثم أحرق المدينة بهم،
كي لا تعطن جثث “الأغيار” الذين هم ليسوا في الأصل سوى بهائم بشرية مع جثث الحيوانات فتُسّمِّم الهواء.
وها هو جيش الدفاع الاسرائيلي يقلد ما فعله النبي يوشع بحرق كل شيء،
كي لا تبقى هناك رائحة عطنة سواء كانت للبهائم البشرية التي حلل الرب قتلها اذا وقفت في وجه تحقق وعده بمنح أرض كنعان لشعبه المختار، أو إذا ألحقت أي أذى بأفراده.
شكراً لبايدن الذي حل محل الرب التوراتي “يهوه” بمناصرة أبناء إبراهام وسارة على أعدائهم في لحظات ضعفهم.
شكرا للبقرات الخمس الحمر اللاتي سيحُرَقن قريباً ويُذَرُّ رمادَهنَّ فوق رؤوس الإسرائيليين لتطهيرهم وتهيئتهم لبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الاقصى،
فقد أكد ظُهورهن العلني أننا نعيش في عصر شديد التميز، تتعايش فيه الخرافة مع فيزياء الكم والهندسة الوراثية والذكاء الاصطناعي بود وصفاء نادرين.
شكراً للغرب بحكوماته واعلامه وبنوكه وشركاته للدعم المنقطع النظير الذي يقدمه لاسرائيل دفاعا عن نفسها من أولئك الذين صادف أنهم ما زالوا يستوطنون الارض التي وعد الرب بني إسرائيل بها: الفلسطينيون.
أما كان الأجدر بهم مغادرة هذه الأرض حال تنفيذ الرب التوراتي لوعده في حرب الأيام الستة، والبحث عن أماكن أخرى، فالعالم واسع أمامهم ومستعد لقبولهم.
شكراً للغرب في موقفه الداعم بالمطلق لحرب الإبادة التي ظل جيش الدفاع الاسرائيلي يمارسها بتلذذ ومتعة كبيرين وكأنه ضمن حملة صيد مسلية لمطاردة أبناء آوى.
وكم ظلت عقيرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو تقدح بالغضب حين يتهمه البعض بقيامه بالضبط بذلك: حملة إبادة على مدنيي غزة. لكأن صوته الداخلي يقول لهم: نحن لا نقتل بشرا بل بهائم تلبست أشكالاً بشرية،
والّا كيف يمكن أن يكونوا موجودين في أرض وعد الرب بها لنسل ابراهام وسارة؟
شكراً لموقف الغرب المتبسِّم على ما تبثه محطات التلفزيون وكاميرات الصحافيين ومؤسسات الإغاثة من قتل جماعي متواصل للمدنيين في غزة، ولمن يريد مد يد المساعدة لهم،
فبذلك أيقظني من سلسلة أكاذيب طويلة بقيت تعشعش في رأسي كقناعات راسخة:
أولها: كون الإنسان يحمل قيمة ثمينة متساوية، وإن القوانين والاتفاقيات الدولية التي تحمي هذا الكائن في ظروف كارثية كالحروب موضع تقديس والالتزام بها قسري. لكن ما حدث أمام أعيننا أنَّ ارسال الأسلحة والذخائر لإسرائيل لم يتوقف يَوماً بل ازداد مع تجنُّب أيّ إدانة مهما تكن خفيفة لحكومة إسرائيل وجيشها .
ثانيها: إزالة الوهم من رأسي أننا نعيش في عصر يحكمه العقل وما تحقق من كشوفات خلال القرن التاسع عشر جعلتنا نعرف أن الأرض قبل ظهور أول إنسان ( آدم وحواء حَسَبَ سِفْر التَّكوين ) قد سكنتها لمئات الملايين من السنوات فصائل الديناصورات وأعقبها بملايين السنوات كائنات اخرى ما زال نسل بعضها يعيش معنا.
وبذلك فإن قصص الكتب الدينية في أحسن الاحوال ليست سوى رمزية هدفها التهذيب لا كتباً تاريخية أو تعليمات لممارسة الابادة . واذا أصررنا على أنها كذلك فإن العلم قادر على دحضها بسهولة ، ليثبت أنها في هذه الحالة ليست سوى خرافات.
غير أنني أمام الفيديوهات التي تبثها وكالات الانباء وغيرها عن البقرات الحمر الخمس وغياب أي رد غربي أو امريكي رسمي عنها دليل على أننا ما زلنا نعيش في قلب الخرافة النابض.
شكراً للغرب على إيقاظي من كذبة كنت مؤمناً بها أشدّ الايمان اِسمها حقوق الانسان، وللحفاظ عليها تأسست منظمات دولية محترمة. لكنها أمام المذبحة الجارية في غزة على قدم وساق أصاب لسان هذا المنظمات عيَّاً غريباً جعلها عاجزة حتى عن التعبير بالإشارات عن موقفها.
أمام كل ذلك لم يبق أمامي إلّا خيار واحد: إخراج كل تلك الكتب التي ألّفها علماء وفلاسفة ومؤرخون غربيون أغلبهم موتى الآن، لأصفّها بانتظام في شواية البيت المهملة منذ سنوات.
شكراً للغرب لخيانتك كل ما أنجزه هؤلاء المفكرون العلمانيون سعياً لإخراج مواطنيه من ظلمات القرون الوسطى إلى عصر النور والتنوير.
فبهذه الطريقة وفّرْتَ لي الورق الكافي لإشعال النار الضرورية لحفل شواء يسبق ما ينتظر البقرات الحمر الخمس من مصير، يفتتح دخولنا عصراً جديداً اِسمه “عصر ما قبل القيامة” وفق نبوءات عرّافي القَبالة التي لا تقبل الخطأ!