سعدي عبد اللطيف: شخصية أكبر من الحياة

2٬746

 

 

لعلي لا أبالغ إذا قلت إن سعدي شخصية أكبر من الحياة. وهذا ليس بمعنى الإنجاز الفائق، ولكن بمعنى أبسط جدا: بقدرته الخارقة على التواصل مع الآخرين بغض النظر عن جنسياتهم سواء كانوا من الصين أو الهند أو غابات الأمازون، فهو قادر على إيجاد خيوط للحديث معهم ولن ينتهي اللقاء بهم إلا ويكون قد تبادل العناوين معهم.

وكم تعكس هذه القدرة النادرة عن صفاء سريرة يتمتع بها سعدي بامتياز عن كل أصدقائه ومعارفه الآخرين.

أتذكر بعد وصوله إلى لندن بسنوات قليلة كيف كوّن صداقات مع عدد من المتقاعدين الإنجليز في أحد البارات القريبة من مسكنه، وحين كنت أراه بينهم ينتابني شعور كأنهم أفراد من عائلته.

كذلك فهو يتميز عنا جميعا بثنائياته المتعارضة بشكل كبير: الملحد من جانب والمتصوف من جانب آخر.. والمتصوف هنا في ذوبانه بالعالم الخارجي وسهولة أن يصاب بالجذبة التي يصاب بها المتصوفة خلال ممارسة طقوسهم.. هو خليط من بوذا وزوربا معاً.

فإذا صادف أن كان يمشي معك وهو يتحدث عن باختين أو ماركس أو هيغل، وشاهد عرسا ووسطه حلقة شباب يرقصون فعليك ألا تستغرب إذا قطع سعدي حديثه معك وانضم إلى حلقة الرقص، ولعله سيصبح دينامو الرقص وكأن العريس صديق حميم له.

كذلك تجده في تبنيه لمتطلبات الآخرين حتى أولئك الذين بالكاد يعرفهم وسعيه الحثيث لمساعدتهم بحنو أب فائض العاطفة، ولكن ذلك لن يمنع الطفل المترسخ في داخله أن يقلب عليك ظهر المِجَن في اليوم الثاني بعد زجاجتي بوردو طبعاً.

كان ظهور سعدي مبعث بهجة فوجوده في جلسة ما يفتح الشهية للتواصل والاندماج والفرح، إنه يقود من حوله إلى عالم باخوسي بامتياز .. متسامٍ، خفيف وأثيري… كأنه ممنوح هذه القدرة الخفية على فتح مكنونات الآخرين وقدرتهم على الفرح والاندماج معا ..كأنه شامان قبيلة أفريقية تائهة لا يكف عن الغناء وترديد التعاويذ للمّ شمل أبنائها.

هذا لا يعني أنك ستتفق معه في أسلوبه الخاص في التعامل مع العالم الخارجي، لكنك قد  تصل إلى نتيجة مفادها أنه شخصية منزوعة من تلك الروايات الكبرى ووضعت إلى حين في حلبة الواقع الباهت الألوان. تحضرني شخصية أليوشا (في رواية الأخوة كارامازوف) المحكوم قدرياً بالخدمة المطلقة للآخرين، ومبدأ الواجب، جنبا إلى جنب مع أخيه ديمتري المسكون بالعاطفة والجموح والجذل، وفي سعدي هذا المزيج من الشخصيتين.

لذلك عزيزي سعدي لن أمنحك لقب “فقيد” أو “راحل” أو “مرحوم” فأنت حي بقوة بيننا.

 

اقرأ ايضاً