هذا من فضل ربي: كوميديا سوداء بطعم العلقم

2٬345

 

لدى اغلب الذين جاء بهم المحافظون الجدد معهم لتزيين لوحة الاحتلال وجعلها مقبولة عند اغلب العراقيين الذين ذاقوا الامرين خلال حكم صدام المطلق الطويل، قناعة عميقة بأن ما كسبوه من ثروات طائلة خيالية هي رزق من الله، مكافأة لهم على اداء دور كان من الممكن ان يقتلوا اثناء ادائه، فان يكونوا أعضاء برلمان يصلون اليه عبر قوائم خالية من أي ميزات معلنة للناخبين، وفوزهم في الانتخابات لم يكن لكفاءاتهم شبه المعدومة ، او لثقافتهم السياسية أو الأكاديمية، بل لأنهم كانوا جزءا من كومبارس أراد الاحتلال الاميركي ان يقنع المجتمع الدولي بصحة قراره بغزو العراق، فها هو البلد يملك دستورا جرى الاستفتاء الشعبي عليه بحرية كاملة وها هي نسبة الـ ٢٠ في المائة مخصصة للنساء في البرلمان ( حتى لو كن مجرد قريبات لهذا القيادي او ذاك وضد حقوق المرأة بالمطلق،)، وها هم المرشحون يفوزون بمقاعد برلمانية على الرغم من كونهم نكرات ضمن قوائم جماعية.
بل الأكثر من ذلك ان بعضهم خاطر بحياته وتسلم مناصب وزارية عليا على الرغم من أن العديد منهم لم يعملوا يوما في أجهزة الدولة حتى باحتلال منصب كاتب واردة وصادرة، فها هو بائع الخضار المقيم في بلد اوروبي ناء طوال سنوات غربته يصبح مستشارا لوزير الداخلية وآخر قضى أحسن سنوات حياته المهنية يقوم باصطحاب المغتربين المسلمين الى الحج سنويا ويشارك في جلسات العزاء ليحصل منها على أجور غير مصرح بها تضاف الى مدخوله السنوي الذي تمنحه له الدولة الاوروبية له باعتباره لاجئا، ليحتل ( دفعة واحدة) منصبا حكوميا رفيعا، وآخر يصبح وزيرا للداخلية لانه كان يقرأ في صغره قصص آرسين لوبين فأصبح بفضلها خبيراً في حقل الامن وسلامة المواطنين.

عند جلوس هؤلاء وراء مكاتبهم ينتابهم شعور عميق بأنهم مثل علاء الدين الذي حظي، وفق قدر مكتوب له قبل ولادته، بمصباح سحري مزود بمارد كلي القوى في خدمته: أريد إخراج كل هؤلاء الموظفين الكبار في وزارة مثل الإسكان الذين قضوا معظم سنوات عملهم وهم يؤدون عملا واحدا باتقان، فاذا انكسر انبوب ماء في منطقة ما هناك آلية بيروقراطية يمشون عليها تبتدئ بكتابنا وكتابكم حتى تنتهي بقدوم العامل المختص لإصلاح العطب… بخروجهم من وظائفهم جلب حامل مصباح علاء الدين كل أفراد عائلته وأصدقائه ليملؤوا الشواغر، ومع هذا التغيير ظل الأنبوب مكسورا، وظلت أسلاك الكهرباء مقطوعة، وظلت الطرق محفّرة بفعل عوامل البيئة …وإجمالا اصبحت المدن أكثر اهتراءً وخرابا ، في المقابل ظل هؤلاء الوزراء والنواب غارقين في عقد صفقات اعادة البناء الكاذبة ولا بد أنهم في اعماقهم لا يظنون أنهم يسرقون من أحد، فموارد النفط هي رزق من عند الله يعطيه لمن يشاء ويحرمه عمن يشاء.

بهذه الطريقة عشعشت مافيات على أساس مذهبي وإثني … فحين يصبح وزير الخارجية من هذا المكون أو ذاك يملأ سفارات العراق بأبناء جلدته الذين يمتون له بصلة ما … والحال كذلك مع أي وزارة …يقدر الخبراء أن مدخول العراق من النفط من عام ٢٠٠٣ وحتى عام ٢٠١٤ كان أكثر بكثير مما كسبه العراق منذ بدء إنتاج النفط بشكل تجاري عام 1949 وحتى عام ٢٠٠٣.

خلال سنوات الخمسينات من القرن العشرين كانت واردات العراق من النفط لا تزيد عن ١٠٠ مليون سنويا وبهذا المبلغ الذي لا يعدو أن يكون بقشيشاً في جيب بعض سياسيي الصدفة الحاليين بني سدا الثرثار ودربندخان وشُقّت بحيرة الحبانية وأصلِحت مساحات اراضٍ بور كثيرة وبنيت أحياء سكنية كثيرة لاصحاب الدخول المتواضعة مثل حي السلام وحي الحرية وبغداد الجديدة، وأقيمت ثلاثة جسور دفعة واحدة في بغداد، كل ذلك بزمن قياسي لا يزيد عن ست سنوات، عدا عن مئات المشاريع الأخرى في شتى أنحاء العراق.

لعل هذه القناعة العميقة لدى معظم المنتمين لنخبة السياسيين ما بعد الاحتلال الاميركي ( الموسوسين بجشع متنامٍ لا يتناسب في الغالب مع أعمارهم لكنهم في الغالب يفكرون بإسعاد أبنائهم وأحفادهم وأحفاد أحفادهم بثروات خيالية بعد كل التهميش الذي عاشوه داخل وخارج الوطن)، بأن تحملهم مسؤولية المناصب الحكومية وتعرضهم في بداية الغزو الاميركي لمخاطر القتل ثمنه ما كوفئوا به من ثروات جمعوها بطرق غير مشروعة أو بشكل أدق سرقوها من المال العام ( هنا كان الأجدر بإدخالهم دورات تشرح لهم ما تعنيه كلمات مثل فساد أو مال عام أو اختلاس او استغلال المنصب لمصلحة شخصية وغير ذلك) لكن لا يبدو لأغلبهم أن مسؤولياتهم الوظيفية ابتُكرت في المقام الأول لخدمة عموم الناس وأنهم بالدرجة الاولى وكما يسميهم البريطانيون خدم عامون civil servants ليس غريبا أن يكون عدد مستشاري رئيس الجمهورية خيالياً حيث يشكل الأقارب والمقربين والأصدقاء الجزء الأكبر ومعه تنفق مبالغ طائلة على رواتبهم ورحلاتهم ومساكنهم … وهذا ينطبق بنسب أقل تتناسب مع الموقع الذي يحتله هذا السياسي أو ذاك من حقبة ما بعد الاحتلال الأميركي…

عند التمييز بين حكم صدام وحكم هذه النخبة المعطوبة نجد أن الاول كان يعتبر العراق بيته وسكانه غنمه لذلك فهو حريص على العناية ببيته ليتباهى به أمام أصحاب البيوت ( الأوطان ) الأخرى، ولغنمه توفير الحد المعقول من المأكل والمشرب والمسكن فهو يحتاجهم لحروبه ولإصلاح بيته وتعميره، فبفضل خدماتهم يكسب هو المجد، أما أفراد النخبة المعطوبة فهم لا يرون الوطن الّا بقرة حلوب لها عمر قصير، وما عليهم الا حلب أقصى ما يمكن من خلال الفرصة التي منحهم الرب إياها( كما يظنون) لكسب المال الحلال طالما أنهم لا يسرقون أحدا.

يجب أن نذكر ايجابيات هذه النخبة عملا بالحديث النبوي: اذكروا محاسن موتاكم : الانتقال من دولة قوية أمام مجتمع ضعيف مهمَّش الى العكس : دولة شبه مغيبة ومهمَّشة أمام مجتمع قوي وحيوي سمحت للأخير بانفلات وجموح هائلين جلبا معهما ايجابيات وسلبيات … من ايجابياتها بروز الحاجة العميقة للانتماء الى وطن قبل كل انتماء آخر سواء كان ايديولوجيا أو مذهبيا أو دينيا أو إثنيا … وهذا ما نراه اليوم في شتى أنحاء العراق .

 

اقرأ ايضاً