هل من طريق آخر لإنهاء المأساة السورية ؟  

3٬251
١٨ تشرين الثاني ١٦
أي نقاش يدور بين شخصين يجب ان ينطلق من وجود قناعات مشتركة يمكن تسميتها بالمسلمات الأولية وفي حال غيابها يصبح النقاش نوعا من الإعلان عن المسلمات المتعارضة لكلا المتحاورين ، اي السعي لاقناع المستمعين بتلك المسلمات التي هي اساس القناعات المتعارضة، في حين يكون النقاش بين الشخصين المعنيين حوارا بين أصمين، وبسبب غياب القدرة على سماع الاخر يرتفع الصوت وقد يؤول الى ارتفاع الأذرع والقبضات والاستسلام لقوى الغضب والتهور، وتبادل الشتائم هو أفضل تجسد لنقاش يدور من دون وجود اتفاق ضمني بمسلمات أولية.
لذلك اصبح التصويت والاستفتاء هما الاداتان الوحيدتان لفرض وجهة النظر ذات الأكثرية في مجال التطبيق مع حق الطرف الاخر بالبقاء ملتزما بوجهة نظره المعارضة شرط الالتزام بوجهة النظر التي كسبت الأكثرية وتطبيقها.
وهذا ينطبق على من يُنتخب بالأكثرية باحتلال هذا الموقع القيادي او ذاك ولفترة يحددها القانون وهي في الغالب لا تزيد عن خمس سنوات.
يجب التذكير بان نظام الاقتراع والانتخاب هو ابتكار بشري لم يحالفه الحظ كثيرا عبر التاريخ ولعل الثورة الفرنسية كانت وراء بروزه في العصر الحديث في حين انه لم يُعرف الا في حقبتين قصيرتين الاولى في اثينا ( القرن الخامس قبل الميلاد) وفي جمهوريات بعض المدن الإيطالية في القرن الثالث عشر.
وهذا التأخر في ظهوره أدى الى الكثير من الحروب الأهلية خلال القرون الوسطى في أوروبا لكن غياب الديناميت والأسلحة النارية الثقيلة انقذت مدن الغرب من الدمار الذي نشهده اليوم في مدن الشرق.
لذلك فإننا اليوم لن نكون قادرين على قبول الاخر صاحب الرأي المخالف لرأينا الا بقبول ان اكثر الأفكار منطقية وواقعية قد لا تكسب الا اكثرية ضعيفة في أحسن الأحوال، وفي أسوأ الأحوال لا تكسب حتى هذه الأكثرية المتواضعة. في محاكمة سقراط الذي وجهت ضده تهمة الاساءة لآلهة اثينا وإفساد الشباب اعتبر ٢٨٠ من ٥٠٠ محلف سقراط مذنبا على الرغم من قوة الحجج التي طرحها سقراط في دفاعه والتي نقلها أفلاطون في كتاب يحمل عنوان دفاع سقراط .
وما يمكن استنتاجه هو استحالة كسب التأييد المطلق  لوجهة نظر ما ويبقى التصويت والاستفتاء أفضل مسطرتي قياس لمدى قبول الجمهور بهذه الفكرة او تلك بهذا الزعيم او ذاك وبالطبع ذلك لفترة زمنية محددة.
امام حرب أهلية طاحنة كالحرب الأهلية السورية لا يبدو ان هناك مسطرة قياس أفضل من الانتخابات لتحديد من يمثل الشعب السوري بنسبة لا تقل عن ٥١٪‏ كي يشكل الحكومة لاربع او خمس سنوات او ليحتل المنصب الرئاسي وإذا كان هناك اعتراض على ترشيح شخصية ما لمنصب الرئاسة فالمسطرة الثانية، الاستفتاء سيحسم الامر.
قد يجد بعض أطراف المعارضة استحالة ذلك بسبب تدخل مؤسسات النظام الأمنية في حرف العملية الانتخابية او الاستفتائية  ولكني اجد توافر ضمانات دولية قوية لمراقبة العملية الانتخابية ووجود ما يقرب من نصف الشعب في الخارج ضمانين لنجاح المعارضة في كسب الأكثرية الضعيفة. فمبدأ حكم الشعب يبدأ وينتهي بتطبيق مبدأي التصويت والاستفتاء.
لم تكن الحرب الأهلية في سوريا هي الاولى في التاريخ المعاصر فالعديد من الدول التي تشكلت خلال النصف الأخير من القرن العشرين في افريقيا والكاريبي وآسيا مرت بنفس المِحنة ولم يكن هناك حل سوى الانتخابات بإشراف الامم المتحدة طريقا لإنهاء سفك الدم ودمار المدن.
لذلك فإذا كانت مسلمة ابقاء الدولة والجيش والمؤسسات الأمنية وإصلاحها بدلا من تفكيكها وتدميرها مختلف عليها بين أطراف من المعارضة والنظام  يصبح النقاش آنذاك مجرد  ضجيج صوتي يستبق هدير الطائرات ودوي المدافع.
ولعل من الممكن الزعم ان مبدأ التعددية يقوم على قناعة مفادها استحالة كسب أغلبية مطلقة لوجهة نظر ما، وهذا ما يدفع الى توفير الاطر القانونية التي تضمن التعبير عن وجهات النظر الاخرى علانية شرط ان تقوم على اساس الالتزام بأحكام الدستور الذي يشكل ارضية مشتركة للاطراف المتنازعة ويصوت عليها الشعب بشكل حر.
اقرأ ايضاً